٠٤:١٣
نسيج محاك من الأصوات يحلق في الأجواء، تعانق العمارة الرومانية التصويرات المقدسة. يتصدر المشهد رباعية متعددة الأصوات، ولكن رؤوس المغنيين ما هي إلا شاشات تعرض تسجيلاً لأوجههم. إن كل منهم يحمل شاشة عرض لأن عرضهم الأدائي لن يكتب له الوجود من دون وسيط التلفاز. لقد صارت الشاشة اليوم هي النافذة الوحيدة التي يمكن أن تبث عبرها الثقافة. لقد اكتسح عالم أنبوب أشعة الكاثود وفرض سلطانه على عوالم الكتب والمسرح والأماكن الثقافية وكل سبل نشر المعرفة. لقد صار التلفاز زوجة أب تلتهم كل ما عاداها. لقد رفعت الجامعات والمدارس راية الاستسلام أمام هجمات التفاز وكل من ينشر أساطيراً زائفة. لقد صارت الثقافة تباع جنباً إلى جنب مع الإعلانات كما نشهد في برامج الحوارات. يقفز الإعلان الذي يملي شروطه ويفرض سلطانه على كل ما عاداه في وسط الغناء فيقطع العرض ويحول دفة القصة ويمتزج بالعرض الأدائي، فتصير الوجوه كالحة ويتشوه تآلف الأصوات. وهكذا تغدو الجوقة تجسداً للتفسخ، يستسلم فيها التراث بأسره أمام ضرورات منظومة نجحت في إعادة تعريف ثمرات الثقافة. إن دمج مقاطع إعلانية في داخل التأليف الهارموني يدفع بكون الاستغلال التجاري قوة ذات أثر تدميري على الثقافة، والتي تغدو بفعله مزيجاً مسطحاً تتوه فيه كافة الهويات. يسعى “الجوقة” إلى إلقاء الضوء على مفارقة يندر أن توضع بعين الاعتبار، إذ تختبئ بين تدرجات اللغة. فمن ناحية ثمة وعي مؤلم بعالم متهاوي، ومن ناحية أخرى ثمة سطحية استعراض السوق المراوغة، والتي تصم حواس الجمهور بتفاهة أغاني الإعلانات المحسوبة. يسعى هذا العمل والذي يجمع ما بين العمق والسطحية إلى كشف النقاب عن فجورنا الراهن: إن الملك عار، وإن اختفاء لباسه البراق ليكشف عن بشاعة الواقع المروي.