إن فنون الوسائط الجديدة (نيو ميديا) تتفاعل مع عملية تطوير، وتخزين، وتحليل، وتوزيع بيانات متراكمة بالفعل. تتيح ثقافة عصر الكمبيوتر للفنانين باستخدام وتطوير مواد الفيديو، أو الصور الرقمية وصور الإنترنت؛ مستخدمين في ذلك برامج رقمية، ومشتقاتها، وقلما تكون النتيجة عادًة مصنوعة من الألف إلى الياء عن طريق الفنان نفسه. تجعلنا النقلة التي حدثت من مفهوم خلق الأعمال من الصفر إلى تجميعها، ومعالجتها، وتطويرها من مواد سابقة التجهيز أن نتساءل حول ماهية الفيديو كوسيط في حد ذاته. كيف يؤثر النطاق الواسع من البيانات المستخدمة في صنع الفيديو، وتشرذمها على العمل النهائي؟ هل يتم طمس قصد الفنان الأصلي في طيات عملية تطوير ومعالجة العمل رقميًا؟ هل تتمتع عملية التعبير الفني بالاستقلالية، أم أنها تعتمد على مكونات صنعها الآخرون وجعلوها متاحة للفنان؟ هل يمكن فهم وتعريف سعي الفنان للبحث عن المعلومات فهمًا اسطاطيقيًا؟ يسعى مهرجان القاهرة للفيديو في دورته الثامنة تناول تلك التساؤلات بشكل غير مباشر خلال برامجه وفعالياته، ومن خلال تقديم آخر التجارب الفنية التي تستخدم الصورة المتحركة كوسيط لها؛ سيعرض المهرجان أعمالًا تنتمي إلى أنواع فنية مختلفة تتضمن الموسيقى المُصوَّرة، وفن الـ (غليتش)، والعروض الأدائية، والرقص، والصور المتحركة، والصور المُولَّدة بالكمبيوتر، والأفلام الروائية، والمقالات السينمائية، والفيديو الشِعري.

يقدم المهرجان في دورته الحالية مائة وتسعة عشر فنانًا، وصانع أفلام، ومجموعةً فنية من ثلاثة وستين دولة؛ ليقدم إطلالة على ما تم إنتاجه محليًا وعالميًا في مجال فن الفيديو والأفلام التجريبية. تتضمن الدورة الثامنة من المهرجان ندوات، ومحاضرات، وحلقات نقاش، بالإضافة إلى ورش عمل إنتاجية تسبق بداية عروض المهرجان.

بدأ مهرجان القاهرة للفيديو كتجربة قام بها مجموعة من الفنانين الذين تجمعوا حول فكرة إنشاء مهرجان يركز على فن الفيديو، والأفلام التجريبية. تمثلت الفكرة في خلق منصة تعكس باستمرار التقنيات والمفاهيم المتنوعة التي يستخدمها الفنانين وصناع الأفلام في التجريب في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى الاحتفاء بأولئك الفنانين وبناء مجتمع من المهتمين بمتابعة أعمالهم. يتم تنظيم المهرجان بالأساس عن طريق دعوة مفتوحة تسمح لجميع الفنانين حول العالم بتقديم أعمالهم من أجل المشاركة. ويتم اختيار الأعمال عبر عملية تحكيم بالتركيز على معايير أصالة الفكرة، والابتكار، والجودة التقنية، وتحري كيفية تطبيق الأفكار والمفاهيم التي أراد الفنان نقلها عبر عمله. لا يقبل المهرجان الأفلام الوثائقية، أو الروائية الطويلة، أو الأفلام التجارية؛ فهو يركز فقط على استكشاف وسيط الفيديو التجريبي. يتم إدراج جميع الأعمال المُقدَّمة عبر الدعوة المفتوحة ضمن أرشيف المهرجان، والذي يحتوي على آلاف الأعمال التي تم تقديمها منذ عام ٢٠٠٥.

الآن، وفي دورته الثامنة، يستضيف مهرجان القاهرة للفيديو معرضين لأعمال فيديو، وسبعة عروض سينمائية، ومحاضرة أدائية، وعرض فيديو أدائي حي. يقدم المهرجان نخبة من الأفلام التجريبية، وأعمال الفيديو المتنوعة، كما يقدم العديد من الفنانين، والمجموعات الفنية، والمهرجانات، بالإضافة إلى ورشات عمل، والأعمال المُكلفّة مِن قبل المهرجان. تستمر عروض المهرجان على مدى واحد وعشرين يومًا في خمسة مساحات عرض مختلفة، ليكون المهرجان بمثابة منصة لمحبي اعمال الصورة المتحركة تتيح لهم الالتفاف حول مشاهدة ومناقشة أعمال من مختلف أنحاء العالم. جميع الأعمال التي يقدمها المهرجان في دورته الثامنة زمنها أقصر من ثلاثين دقيقة، وتم إنتاجها بعد عام ٢٠١٤.

تلقى المهرجان في نسخته الحالية أكبر عدد من المتقدمين حتى الآن؛ حيث بلغ عددهم ٢٨٩٤، وتم فرز الأعمال من قِبل لجنة التحكيم استنادًا إلى معايير الاختيار المذكورة سابقًا لترشح اللجنة نهايةً خمسة وثمانين عملًا. بالإضافة إلى الأعمال التي تم تقديمها بواسطة الدعوة المفتوحة، قام المهرجان بدعوة فنانين مميزين للمشاركة بأعمالهم في هذه الدورة من المهرجان. أثناء مشاهدة الأعمال المقدمة عبر الدعوة المفتوحة، لاحظت اللجنة تكرار بعض الموضوعات، والعناصر مما ساهم في توجيه اختيار المهرجان لأعمال الفنانين الذين قام بدعوتهم للمشاركة -خارج سياق الدعوة المفتوحة- بحيث تكمل جميع الأعمال بعضها البعض وتتناغم الموضوعات التي تقدمها تلك الأعمال.

يقوم المهرجان في هذه الدورة أيضًا بعرض أعمال فيديو من أرشيفه، وذلك بواسطة منصة شريكة عبر شبكة الإنترنت.

تتضمن الدورة الثامنة من المهرجان برامج، وأفكار يساهم بها الكثيرون؛ من بينهم سمير الكردي، وحسن خان، ووفاء والي، وعادل السيوي، وعلي حسين العدوي، وسلمى الطرزي، ويوري ليتش، جيولا بابادوبولو، وحسن الحلوجي.